11-30-2017, 08:32 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
المنتدى :
قسم الحديث والسيرة
حياة النبي صلى الله عليه وسلم من ولادته الى وفاته
لما جاءت رسالة الإسلام وقف المشركون في وجهها وحاربوها، وكانت المواجهة في بداية أمرها محدودة، إلا أنها سرعان ما بدأت تشتد وتتفاقم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، حتى ضيَّقت قريش الخناق على المسلمين واضطهدتهم وأرهقتهم، فضاقت عليهم مكة بما رحبت، وصارت الحياة في ظل هذه المواجهة جحيماً لا يطاق. فأخذ المسلمون يبحثون عن مكان آمن يلجئون إليه، ويتخلصون به من عذاب المشركين واضطهادهم. في ظل تلك الظروف التي يعانى منها المسلمون، نزلت سورة الكهف، تلك السورة التي أخبرت بقصة الفتية الذين فروا بدينهم من ظلم ملِكِهِم، وأووا إلى كهف يحتمون به مما يراد بهم. كان فى هذه القصة تسلية للمؤمنين، وإرشاداً لهم إلى الطريق الذي ينبغي عليهم أن يسلكوه للخروج مما هم فيه. لقد عرضت قصة أصحاب الكهف نموذجاً للإيمان فى النفوس المخلصة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الحياة الدنيا ومتاعها، وتلجأ إلى الكهف حين يعز عليها أن تقيم شعائر دينها وعقيدتها، وكيف أن الله تعالى يرعى هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة، ويشملها برحمته ورعايته {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} (الكهف:16). لقد وضَّحت هذه القصة للمؤمنين طريق الحق والباطل، وبيَّنت أنه لا سبيل إلى للالتقاء بينهما بحال من الأحوال، وإنما هي المفاصلة والفرار بالدين والعقيدة، وانطلاقاً من هذه الرؤية القرآنية أمر النبي صلى الله عليه و سلم المسلمين المستضعفين بالهجرة إلى الحبشة، وقد وصفت أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم هذا الحدث فقالت: (لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء، والفتنة فى دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في منعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً - أي جماعات - حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمِنَّا على ديننا ولم نخش منه ظلماً) رواه البيهقى بسند حسن. وهكذا هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة فى السنة الخامسة للبعثة، وكان هذا الفوج مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، كان في مقدمتهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكان رحيلهم تسللاً تحت جنح الظلام حتى لا تشعر بهم قريش، فخرجوا إلى البحر عن طريق جدة، فوجدوا سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، ولما علمت قريش بخبرهم خرجت فى إثرهم وما وصلت إلى الشاطئ إلا وكانوا قد غادروه فى طريقهم إلى الحبشة، حيث وجدوا الأمن والأمان، ولقوا الحفاوة والإكرام من ملكها النجاشى الذي كان لا يظلم عنده أحد، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه و سلم . وهكذا هيأ الله لعباده المؤمنين المستضعفين المأوى والحماية من أذى قريش وأمَّنهم على دينهم وأنفسهم، وكان في هذه الهجرة خير للمسلمين، إذ استطاعوا - فضلاً عن حفظ دينهم وأنفسهم - أن ينشروا دعوتهم، ويكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لتلك الدعوة، ومن كان مع الله كان الله معه نسأل الله تعالى أن ينصر دينه وعباده المؤمنين في كل مكان والحمد لله رب العالمين. الهجرة الثانية للحبشة ذكرنا في مقال سابق أن هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة كانت خيراً للمسلمين وفتحاً جديداً للإسلام، استطاع المسلمون فيها أن يكسبوا أرضاً جديدة تكون منطلقاً لدعوتهم، واستطاعوا أن يقيموا شعائر دينهم بأمان. غير أن هذه الهجرة لم تدم طويلاً، حيث رجع المسلمون من أرض هجرتهم إلى مكة بعد أن بلغهم أن قريشاً هادنت الإسلام وتركت أهله أحراراً، إلا أنهم بعد وصولهم إلى مكة وجدوا الأمر على خلاف ما ظنوه، فاضطروا إلى الهجرة مرة ثانية. فما خبر هذه الهجرة ؟ هذا ما سوف نعرفه في الأسطر التالية. إن الإشاعة التي بلغت المؤمنين فى أرض الهجرة تركت أثرها في قلوبهم، فقرروا العودة إلى وطنهم، وكان سبب هذه الإشاعة أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج إلى الحرم وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم، ولم يكن المشركون قد سمعوا القرآن سماع منصت من قبل، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت:26). فلما فاجأهم النبي صلى الله عليه و سلم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذنهم القرآن في روعة بيانه، وجلالة معانيه، أعطوه سمعهم، فلما قرأ النبي صلى الله عليه و سلم قوله تعالى {فاسجدوا لله واعبدوا} سجد، فلم يتمالك المشركون أنفسهم فسجدوا. وفى الحقيقة كانت روعة الحق قد صدَّعت العناد والكِبْر الذي فى نفوسهم، فخروا ساجدين، فبلغ هذا الخبر مهاجري الحبشة، ولكن فى صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية، حيث بلغهم أن قريشاً أسلمت، فرجعوا إلى مكة آملين أن يعيشوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين قومهم وأهليهم آمنين، فلما وصلوا قريباً من مكة عرفوا حقيقة الأمر، وأن ما وصلهم من الأخبار غير صحيح، بل إن قريشاً أشد وأنكي على المسلمين من ذي قبل، فرجع من رجع منهم، ومن دخل مكة دخلها مستخفياً، أو فى جوار رجل من المشركين، ثم زاد المشركون فى تعذيب هؤلاء العائدين وسائر المسلمين، ولم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى، فهي المنفذ الوحيد والمخرج بعد الله تعالى – من بلاء قريش - لما يتميز به ملِكُها النجاشى من عدل ورحمة وحسن ضيافة، وقد وجده المسلمون كما قال النبي صلى الله عليه و سلم (لا يظلم عنده أحد). فقرر المسلمون الهجرة مرة ثانية، ولكن الهجرة في هذه المرة كانت أشق وأصعب من سابقتها، حيث تيقظت قريش لها، وقررت إحباطها، لكن المسلمين كانوا قد أحسنوا التخطيط والتدبير لها ويسَّر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشي الحبشة قبل أن تدركهم قريش، وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً، وثماني عشرة امرأة. وكما كان فى الهجرة الأولى خير للإسلام والمسلمين ففي هذه الهجرة كان الخير أكثر وأكثر، فازداد عددهم وانتشر خبرهم، وكانت أرض الحبشة التي أمِنوا فيها على أنفسهم ودينهم منطلقاً للدعوة الإسلامية وملاذاً لكل مضطهد وطريد من المسلمين، والله يؤيد دينه وعباده المؤمنين بما شاء من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، فله الحمد فى الأولى والآخرة وصلى الله وسلم على سيدنا محمد و آله. الهجرة إلى الطائف كما نعلم إن أحزان النبي صلى الله عليه و سلم وهمومه زادت وتضاعفت بوفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وعمه أبى طالب في عام واحد، فـخديجة كانت خير ناصر ومعين له - بعد الله تعالى -، وعمه كان يحوطه ويحميه، ويحبه أشد الحب، وضاعف من حزنه صلى الله عليه و سلم أنه مات كافراً. وتستغل قريش غياب أبي طالب فتزيد من إيذائها للنبي صلى الله عليه و سلم وتضيَّق عليه، وكان أبو لهب من أكثر الناس كراهية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه و سلم ، حتى إنه كان يلاحق النبي صلى الله عليه و سلم في موسم الحج، وفى الأسواق يرميه بالحجارة ويقول: إنه صابئ كذاب، ويحذر الناس من إتباعه، فضاقت مكة على رسول الله صلى الله عليه و سلم واشتد به الحال، فخرج إلى الطائف راجياً ومؤملاً أن تكون أحسن حالاً من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة، فماذا لقي ؟ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي عن ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) متفق عليه. والقصة تقول إنه حينما ذهب الرسول صلى الله عليه و سلم إلى الطائف بدأ بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر، فكلمهم في الإسلام ودعاهم إلى الله، فردوا عليه رداً قاسياً، وقالوا له: اخرج من بلادنا، ولم يكتفوا بهذا الأمر، بل وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به، ويرمونه بالحجارة فأصيب عليه الصلاة السلام فى قدميه حتى سالت منها الدماء، واضطروه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة من سادات أهل الطائف، فجلس في ظل شجرة يلتمس الراحة والأمن، وصرف أصحاب البستان الأوباش والسفهاء عنه، ثم أمرا غلاماً لهما نصرانياً يدعى عداساً وقالا له: خذ قطفاً من العنب واذهب به إلى هذا الرجل، فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم مد يده إليه وقال بسم الله ثم أكل، فقال عداس إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : من أي البلاد أنت ؟ قال أنا نصراني من نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال عداس: وما يدريك ما يونس ؟ قال عليه الصلاة والسلام ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي، فأكب عداس على يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقدميه يقبلهما، فقال ابنا ربيعة، أحدهما للآخر: أما غلامك فقد أفسده عليك! فلما جاء عداس قالا له ويحك ما هذا: قال لهما ما فى الأرض خير من هذا الرجل، فحاولا تهوين أمر النبي عليه الصلاة والسلام، كأنما عز عليهما أن يخرج النبي صلى الله عليه و سلم من الطائف بأي كسب. ورجع النبي صلى الله عليه و سلم إلى مكة ليستأنف خطته الأولى فى عرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد، وزادت قريش من أذاها لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، وخلعت جلباب الحياء والمروءة، فراح بعض رجالاتها يلاحقونه عليه الصلاة والسلام في الأسواق والمواسم يرمونه بالكذب، ويحذرون العرب من إتباعه. وفى الختام فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يستسلم لهذا الواقع الأليم، بل صبر وصابر، وواصل جهاده في الدعوة متوكلاً على الله، فكان عاقبة صبره نصر من الله، وفتح عظيم تتفيأ الأمة ظلاله، وتنعم بنور الرسالة الخاتمة، فجزاه الله خير ما جزى به نبياً عن أمته والحمد لله رب العالمين الهجرة إلى المدينة تطلق "الهجرة" على الترك والتخلي عن الشيء، فالمهاجر من هجر ما نهى الله عنه - كما في الحديث الشريف -، وهى بهذا المعنى مطلقة من قيود الزمان والمكان، إذ بوسع كل مسلم أن يكون مهاجراً بالالتزام بأوامر الله والهجر للمعاصي. لكن الهجرة النبوية تتعلق بترك الموطن والانخلاع عن المكان بالتحول عنه إلى موطن آخر ابتغاء مرضاة الله رغم شدة تعلق الإنسان بموطنه وألفته للبيئة الطبيعية والاجتماعية فيه وقد عبّر المهاجرون عن الحنين إلى مكة بقوة وخاصة فى أيامهم الأولى حيث تشتد لوعتهم. وتحتاج الهجرة إلى القدرة على التكيف مع الوسط الجديد "المدينة المنورة" حيث يختلف مناخها عن مناخ مكة فأصيب بعض المهاجرين بالحمى، كما يختلف اقتصادها الزراعي عن اقتصاد مكة التجاري، فضلاً عن ترك المهاجرين لأموالهم ومساكنهم بمكة. لكن الاستجابة للهجرة كانت أمراً إلهياً لابد من طاعته، واحتمال المشاق من أجل تنفيذه. فقد اختار الله مكان الهجرة، كما في الحديث الشريف "رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب إلى أنها اليمامة، فإذا هي المدينة يثرب". وما أن بدأ التنفيذ حتى مضت مواكب المهاجرين تتجه نحو الموطن الجديد.. دار الهجرة.. وقد شاركت المرآة فى حدث الهجرة المبارك منهن أم سلمة هند بنت أبي أمية التي تعرضت لأذى بالغ من المشركين الذين أرادوا منعها من الهجرة ثم استلوا ابنها الرضيع منها حتى خلعوا يده.. لكنها صممت على الهجرة ونجحت فى ذلك رغم الأخطار والمصاعب. وخلدت أسماء بنت أبى بكر ذكرها فى التاريخ وحازت لقب ذات النطاقين عندما شقت نطاقها نصفين لتشد طعام المهاجرَين، رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبى بكر رضي الله عنه وقد تتابعت هجرة النساء فى الإسلام حتى شرعت في القرآن {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} (الممتحنة:10)، ونزلت الآيات الكريمة تأمر بالهجرة وتوضح فضلها منذ السنة التي وقعت فيها لغاية سنة 8 هـ عندما أوقفت الهجرة بعد فتح مكة وإعلان النبي صلى الله عليه و سلم ذلك بقوله (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة وإذا استنفرتم فانفروا). والأمر بالهجرة إلى المدينة لأنها صارت مأرز الأيمان وموطن الإسلام، وشرع فيها الجهاد لمواجهة الأعداء المتربصين بها من قريش واليهود والأعراب، فكان لابد من إمدادها بالطاقة البشرية الكافية مما يفسر سبب نزول القرآن بهذه الآيات الواعدة للمهاجرين: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله} (البقرة:218)، {والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم فى الدنيا حسنة} (النحل:41)، {ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغماً كثيراً وسعة} (النساء:100). وقد حاز المهاجرون شرفاً عظيماً في الدنيا فضلاً عن ثواب الله ووعده الكريم، فقد اعتبروا أهل السبق فى تأسيس دولة الإسلام فنالوا رضي الله والقربى منه {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم} (التوبة:100). وهكذا خلد الله ذكرهم فى القرآن الذي يتعبد المسلمون بتلاوته إلى آخر الزمان. الهجرة من سنن النبيين عليهم السلام لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم أول نبي يهاجر في سبيل الله بل مر بهذا الامتحان كثير من الأنبياء.. وقد أخبرنا الله تعالى بأن إبراهيم عليه السلام هاجر من موطنه إلى مصر وغيرها داعياً إلى التوحيد، وأن يعقوب ويوسف عليهما السلام هاجرا من فلسطين إلى مصر وأن لوطاً هجر قريته لفسادها وعدم استجابتها لدعوته. وأن موسى عليه السلام هاجر بقومه من مصر إلى سيناء فراراً بدينه من طغيان فرعون. وهكذا فان الهجرة من سنن النبيين، وقد كانت هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة لهجرات النبيين. وكانت نتائجها عميقة شكلت منعطفاً تاريخياً حاسماً. نتائج الهجـرة لقد أدت الهجرة إلى قيام دولة الإسلام في المدينة، والتي أرست ركائز المجتمع الإسلامي على أساس من الوحدة والمحبة والتكافل والتآخي والحرية والمساواة وضمان الحقوق، وكان الرسول صلى الله عليه و سلم هو رئيس هذه الدولة وقائد جيوشها وكبير قضاتها ومعلمها الأول. وقد طبق الرسول صلى الله عليه و سلم شريعة الإسلام، وكان القرآن ينزل بها منجماً، فكان الصحابة يدرسون ما ينزل ويطبقونه على أنفسهم، ويتعلمون تفسيره وبيانه من النبي صلى الله عليه و سلم فتكون جيل رباني تمكن من الجمع بين عبادة الله وعمران الحياة وعمل تحت شعار: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا. وفي خلال عقد واحد توحدت معظم الجزيرة العربية في ظل الإسلام، ثم انتشر فى خلال عقود قليلة تالية ليعم منطقة واسعة امتدت من السند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً حيث آمن الناس بالإسلام، واستظلوا بشريعته العادلة وأقاموا حضارة زاهرة آتت أكلها قروناً طويلة في حقول التشريع والتربية وعلوم الكون والطبيعة، فكانت أعظم آية. والحمد لله رب العالمين. غزوات عام 3 هـ غزوة ذي أمر كان النبي صلى الله عليه و سلم في مراقبة دائمة لأعدائه وخصومه الذين يبحثون عن أي فرصة تمكنهم من إلحاق الأذى بالمسلمين، وكان كلما هم هؤلاء الأعداء من الأعراب وغيرهم بمهاجمة المدينة خرج إليهم النبي صلى الله عليه و سلم فأدبهم وفرق جمعهم، وشتت شملهم، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون الإغارة على أطراف المدينة، يتزعمهم دعثور بن الحارث بن محارب، فخرج النبي صلى الله عليه و سلم في أربعمائة وخمسين رجلاً ما بين راكب وراجل، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة الثالثة للهجرة، وفي أثناء الطريق قبض المسلمون على رجل يقال له جبار من بني ثعلبة فدعاه النبي صلى الله عليه و سلم إلى الإسلام فأسلم، وصار دليلاً للجيش إلى بلاد العدو، وهرب هؤلاء الأعراب من النبي صلى الله عليه و سلم وتفرقوا في رؤوس الجبال، ونزل صلّى الله عليه وآله وسلّم مكان تجمعهم وهو الماء المسمى بذي أمر فعسكر به قريباً من الشهر، ليُشعِر الأعراب بقوة المسلمين ويستولى عليهم الرعب والرهبة، وقد حصل لرسول الله صلى الله عليه و سلم من المعجزة، ومن إكرام الله له في هذه الغزوة أمر عجب. روى ابن اسحق وغيره من أصحاب المغازى والسير، أن المسلمين في هذه الغزوة أصابهم مطر كثير، فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلَّل ثوبه، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم وادي ذي أمر بينه وبين أصحابه، ثمّ نزع ثيابه فنشرها على شجرة لتجف، ثمّ اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله، فقالت الأعراب لدعثور - وكان سيّدهم وأشجعهم - قد أمكنك الله من قتل محمّد، وقد انفرد من أصحابه حيث إن غوّث - أي طلب الغوث والنجدة - بأصحابه لم يُغث حتى تقتله، فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثمّ أقبل حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال: يا محمّد من يمنعك منّى اليوم؟ قال: الله، ودفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقام على رأسه وقال: من يمنعك منّى ؟، قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، والله لا أُكثِّر عليك جمعاً أبداً، ثم أعطاه رسول الله سيفه ثمّ أدبر، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال: والله لأنت خير منى، قال رسول الله: أنا أحقّ بذلك منك، فأتى قومه فقالوا له: أين ما كنت تقول، وقد أمكنك الله منه، والسيف في يدك ؟ قال: قد كان والله ذلك، ولكني نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنّه مَلَك، وشهدت أنّ محمداً رسول الله، والله لا أُكثِّر عليه جمعاً أبداً، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، ونزلت هذه الآية: {يا أيها الذِين آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ الله عَليكُم إذ هَمَ قَومٌ أن يَبسُطُوا إليكم أيديهم فَكَفَّ أيديهم عَنكُم} (المائدة:11). وهذه القصة ثابتة في الصحيحين بسياق مختلف، وفي غزوة أخرى كذلك، وما في الصحيحين أصح. ومن هذه الغزوة وما حصل فيها، يتبين لنا أن الله ناصر دينه وجنده، وما على المسلمين إلا أن يبذلوا وسعهم، ويجاهدوا لإعلاء كلمة الله، والله نسأله أن ينصر المجاهدين في سبيله في كل مكان، إنه ولى ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين غزوه أحد وفي شوال سنة 3هـ كانت وقعة أحد. وذلك أن الله تبارك وتعالى لما أوقع بقريش يوم بدر، وترأس فيهم أبو سفيان، لذهاب أكابرهم، أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى المسلمين. ويجمع الجموع، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش، والحلفاء والأحابيش. وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا، ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريباً من جبل أحد. فاستشار رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه في الخروج إليهم، وكان رأيه أن لا يخرجوا، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه السكك، والنساء من فوق البيوت، ووافقه عبد الله بن أبى - رأس المنافقين - على هذا الرأي، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة - ممن فاته بدر - وأشاروا على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالخروج، وألحوا عليه. فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته، وخرج عليهم، فقالوا: استكرهنا رسول الله صلى الله عليه و سلم على الخروج. ثم قالوا: إن أحببت أن تمكث بالمدينة فافعل، فقال: ما ينبغي لنبي إذا لبس درعه أن يضعه حتى يحكم الله بينه وبين عدوه. فخرج في ألف من أصحابه، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم. وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رؤيا: رأى أن في سيفه ثلمة، وأن بقراً تذبح. وأنه يدخل يده في درع حصينة. فتأول الثلمة: برجل يصاب من أهل بيته، والبقر: بنفر من أصحابه يقتلون، والدرع بالمدينة، فخرج، وقال لأصحابه: عليكم بتقوى الله، والصبر عند البأس إذا لقيتم العدو، وانظروا ماذا أمركم الله به فافعلوا. فلما كان بالشوط - بين المدينة وأحد - انخزل عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر، وقال: عصاني. وسمع من غيري ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا، أيها الناس ؟ فرجع وتبعهم عبد الله بن عمرو - والد جابر - يحرضهم على الرجوع، ويقول: قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع، فرجع عنهم وسبهم. وسأل نفر من الأنصار رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يستعينوا بحلفائهم من يهود ، فأبى، وقال: من يخرج بنا على القوم من كثب ؟. فخرج به بعض الأنصار، حتى سلك في حائط لمربع بن قيظي من المنافقين - وكان أعمى - فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين، ويقول: لا أحل لك أن تدخل في حائطي، إن كنت رسول الله. فابتدروه ليقتلوه. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا تقتلوه فهذا أعمى القلب أعمى البصر. ونفذ حتى نزل الشعب من أحد، في عدوة الوادي الدنيا، وجعل ظهره إلى أحد، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم. فلما أصبح يوم السبت تعبأ للقتال، وهو في سبعمائة، منهم خمسون فارساً، واستعمل على الرماة - وكانوا خمسين - عبد الله بن جبير. وأمرهم: أن لا يفارقوا مركزهم، ولو رأوا الطير تختطف العسكر، وأمرهم: أن ينضحوا المشركين بالنبل، لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول الله صلى الله عليه و سلم بين درعين. وأعطى اللواء مصعب بن عمير، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى: المنذر بن عمرو. واستعرض الشباب يومئذ، فرد من استصغر عن القتال - كابن عمر، وأسامة بن زيد، والبراءة، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وعرابة الأوسى - وأجاز من رآه مطيقاً. وتعبأت قريش، وهم ثلاثة آلاف. وفيهم مائتا فارس، فجعلوا ميمنتهم: خالد بن الوليد، وعلى الميسرة: عكرمة بن أبى جهل. ودفع رسول الله صلى الله عليه و سلم سيفه إلى أبي دجانة. وكان أول من بدر من المشركين أبو عامر - عبد عمرو بن صيفي - الفاسق، وكان يسمى الراهب. وهو رأس الأوس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام شرق به، وجاهر بالعداوة. فذهب إلى قريش يؤلبهم على رسول الله صلى الله عليه و سلم ووعدهم: بأن قومه إذا رأوه أطاعوه، فلما ناداهم، وتعرف إليهم، قالوا: لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر. ثم قاتل المسلمين قتالاً شديداً، ثم أرضخهم بالحجارة. وأبلى يومئذ أبو دجانة، وطلحة، وحمزة، وعلى، والنضر بن أنس، وسعد بن الربيع بلاء حسناً. وكانت الدولة أول النهار للمسلمين، فانهزم أعداء الله، وولوا مدبرين، حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى ذلك الرماة، قالوا: الغنيمة، الغنيمة، فذكرهم أميرهم عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلم يسمعوا، فأخلوا الثغر، وكر فرسان المشركين عليه، فوجدوه خالياً، فجاءوا منه. وأقبل آخرهم حتى أحاطوا بالمسلمين فأكرم الله من أكرم منهم بالشهادة - وهم سبعون - وولى الصحابة. وخلص المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجرحوه جراحات، وكسروا رباعيته. وقتل مصعب بن عمير بين يديه، فدفع اللواء إلى علي بن أبي طالب. وأدركه المشركون يريدون قتله، فحال دونه نحو عشرة حتى قتلوا، ثم جالدهم طلحة بن عبيد الله حتى أجهضهم عنه، وترس أبو دجانة عليه بظهره، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك. وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم فردها بيده، فكانت أحسن عينيه. وصرخ الشيطان: إن محمداً قد قتل، فوقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين. فمر أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال: ما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه. ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ، فقال: يا سعد! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد، فقاتل حتى قتل، ووجد به سبعون جراحة. وقتل وحشي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، رماه بحربة على طريقة الحبشة. وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم نحو المسلمين، فكان أول من عرفه تحت المغفر: كعب بن مالك، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين! هذا رسول الله، فأشار إليه: أن اسكت، فاجتمع إليه المسلمون، ونهضوا معه إلى الشعب الذي نزل فيه. فلما أسندوا إلى الجبل أدركه أبي بن خلف على فرس له، كان يزعم بمكة: أنه يقتل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلما اقترب منه طعنه رسول الله صلى الله عليه و سلم في ترقوته، فكر منهزماً. فقال له المشركون: ما بك من بأس، فقال: والله لو كان ما بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. وحانت الصلاة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم جالساً. وشد حنظلة بن أبى عامر على أبي سفيان، فلما تمكن منه حمل عليه شداد بن الأسود فقتله، وكان حنظلة جنباً، فإنه حين سمع الصيحة وهو على بطن امرأته: قام من فوره إلى الجهاد، فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الملائكة تغسله. وكان الأصيرم - عمرو بن ثابت بن وقش - يأبى الإسلام، وهو من بنى عبد الأشهل، فلما كان يوم أحد: قذف الله الإسلام في قلبه للحسنى التي سبقت له. فأسلم وأخذ سيفه، فقاتل، حتى أثبتته الجراح، ولم يعلم أحد بأمره. فلما طاف بنو عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم، وجدوا الأصيرم - وبه رمق يسير، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ثم سألوه: ما الذي جاء بك ؟ أحدب على قومك، أم رغبة في الإسلام ؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت، ومات من وقته. فذكروه لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: هو من أهل الجنة، ولم يصل لله سجدة قط. ولما انقضت الحرب: أشرف أبو سفيان على الجبل، ونادى: أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه، فقال: أفيكم ابن أبى قحافة ؟ فلم يجيبوه. فقال: أفيكم ابن الخطاب ؟ فلم يجيبوه، فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، فلم يملك عمر نفسه أن قال: يا عدو الله! إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله لك منهم ما يسوءك، ثم قال: اعل هبل، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا تجيبوه ؟، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، ثم قال: لنا العزى، ولا عزى لكم، قال: ألا تجيبوه ؟ قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم، ثم قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار. وأنزل الله عليهم النعاس في بدر وفي أحد، والنعاس في الحرب من الله، وفى الصلاة ومجالس الذكر: من الشيطان. وقاتلت الملائكة يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ففي الصحيحين عن سعد، قال: رأيت رسول الله يوم أحد، ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض، كأشد القتال، وما رأيتهما قبل ولا بعد. ومر رجل من المهاجرين برجل من الأنصار - وهو يتشحط في دمه - فقال: يا فلان! أشعرت أن محمداً قتل ؟ فقال الأنصاري: إن كان قد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) وكان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص، اختبر الله عز وجل به المؤمنين، وأظهر به المنافقين، وأكرم فيه من أراد كرامته بالشهادة، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحد: إحدى وستون آية من آل عمران، أولها: (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) ولما انصرفت قريش تلاوموا فيما بينهم، وقالوا: لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم، ثم تركتموه، وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل بقيتهم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فنادى في الناس بالمسير إليهم، وقال: لا يخرج معنا إلا من شهد القتال، فقال له ابن أبى: أركب معك؟ قال: لا. فاستجاب له المسلمون - على ما بهم من القرح الشديد - وقالوا: سمعاً وطاعة. وقال جابر: يا رسول الله! إني أحب أن لا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبى على بناته، فائذن لي أن أسير معك. فأذن له. فسار رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون معه، حتى بلغوا حمراء الأسد، فبلغ ذلك أبا سفيان ومن معه، فرجعوا إلى مكة. وشرط أبو سفيان لبعض المشركين شرطاً على أنه إذا مر بالنبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه: أن يخوفهم، ويذكر لهم: أن قريشاً أجمعوا للكرة عليكم ليستأصلوا بقيتكم، فلما بلغهم ذلك قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. يتبع ][/quote] [quote غزوة حمراء الأسد ][/quote]بعد انتهاء غزوة أحد التي حدث فيها ما حدث، من تمحيص للمؤمنين وكشف لحقيقة المنافقين، بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أبا سفيان يعد لقتال المسلمين، فأمر بلالاً أن ينادي بالناس: (إنّ رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، فخرج النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه في أثر أبى سفيان وهم يحملون جراحهم، وأمر ألا يخرج معه إلا من شهد القتال في أحد)، وقد ذكر القرآن أحداث هذه الغزوة، فقال الله في كتابه: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} (آل عمران: 172)، وطلب رسول الله العدو حتى بلغ حمراء الأسد. كان هدف رسول الله من سيره لحمراء الأسد إرهاب العدو، وإبلاغهم قوة المسلمين، وأن الذي أصابهم في أُحد لم يكن ليوهنهم عن عدوهم أو يفل من عزيمتهم. ومر برسول الله معبد بن أبي معبد الخزاعي، وهو يومئذ مشرك، وكان مقيماً بحمراء الأسد، فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج من عند رسول الله، حتى لقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا أمرهم على ملاقاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا أحد أصحابه وقادتهم وأشرافهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم، لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم، فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد ؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، شيء لم أر مثله قط، قال: ويلك ما تقول ؟ قال: والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال: فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل شأفتهم، قال فإني أنهاك عن ذلك، ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر ، قال: وما قلت ؟ قال قلت: كـادت تُهَـدُّ من الأصوات راحلتـي إذ سالـت الأرضُ بالجـردِ الأبابيـلِ تــردى بأسـد كــرام لا تنابلــة عند اللقـــاء ولا ميـل معــازيل فظلـت عـدوا أظـن الأرض مائلـة لمـا سموا برئيـس غير مخـــذول فقـلت ويـل ابن حـرب من لقاءكم إذا تغطمطـت البطحـاء بالجيـــل إنـي نذيـر لأهل البسـل ضاحيــة لكـل ذي أربة منهـــم ومعقـول مـن جيـش أحمـد لا وخش قنابلـه وليـس يوصـف ما أنذرت بالقيـل فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه عن ملاقاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثانية. ومر بأبي سفيان ركْبٌ من عبد القيس، فقال: أين تريدون ؟ قالوا: المدينة، قال: ولم ؟ قالوا: نريد الميرة، قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه واحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها ؟ قالوا: نعم، قال: فإذا وافيتموه فاخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه، والى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال حسبنا الله ونعم الوكيل، وفي ذلك أنزل الله قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران:173) وروى البخاري عن ابن عباس قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". فبث الله الرعب في قلوب الكفار، أبى سفيان وأصحابه، فانصرفوا خائفين وجلين، وعاد الرسول بأصحابه إلى المدينة. والذي يُستفاد من أحداث هذه الغزوة وما رافقها من مجريات، أن الله سبحانه ناصر دينه، ومؤيد أوليائه، وأن النصر لا يُحسم بعنصر القوة المادية فحسب، وإنما هناك عنصر أهم وأجدى ألا وهو عنصر الإيمان بالله والاعتماد والتوكل عليه. ويُستفاد أيضاً - علاوة على ما سبق- أن النصر حليف المؤمنين إذا هيأوا له أسبابه، وأعدوا له القوة المعنوية والمادية؛ فلا شك حينئذ أن الله ناصرهم. وصدق الله القائل في محكم كتابه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} (غافر:51). غزوات عام 4 هـ غزوة ذات الرقاع بعدما كُسرت شوكة جناحين من الأحزاب: اليهود ومشركي مكة من قبل المسلمين، بقي جناح ثالث: وهم الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين وقت وآخر. فأراد الرسول صلى الله عليه و سلم تأديبهم، وإخماد نار شرهم، ولما كانوا بدواً لا بلدة أو مدينة تجمعهم، بات لا يجدي معهم سوى حملات التأديب والتخويف، فكانت غزوة ذات الرقاع. جرت أحداث هذه الغزوة في السنة الرابعة من الهجرة، بعد خيبر، كما رجحه ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد. وبدأت حين سمع النبي صلى الله عليه و سلم باجتماع قبائل: أنمار أو بنى ثعلبة، وبنى محارب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم بأربعمائة أو سبعمائة من الصحابة، واستعمل على المدينة أبا ذر، وقيل عثمان بن عفان، وسار متوغلاً في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له نخل، ولقي جمعاً من غطفان، فتوافقوا ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بالصحابة صلاة الخوف، فعن جابر قال: (خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى ذات الرقاع من نخل، فلقي جمعاً من غطفان، فلم يكن قتال، وأخاف الناس بعضهم بعضاً، فصلى النبي صلى الله عليه و سلم ركعتي الخوف) رواه البخاري. وكان لكل ستة بعير يتعاقبون على ركوبه، حتى تمزقت خفافهم، ولفّوا على أرجلهم الخرق؛ ولذلك سميت الغزوة بذات الرقاع، ففي الصحيحين عن أبى موسى رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزاة، ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسُمِّيت غزوة ذات الرقاع؛ لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا). ومما صاحب هذه الغزوة قصة الأعرابي، ففي البخاري، عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه و سلم ، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه و سلم معلق بالشجرة، فاخترطه فقال: تخافني ؟، قال: لا قال فمن يمنعك منى ؟ قال: الله، فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه و سلم أربع، وللقوم ركعتان). وكان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، فلم تجترئ القبائل من غطفان أن ترفع رأسها بعدها، بل استكانت حتى استسلمت، وأسلمت، حتى شارك بعضها في فتح مكة وغزوة حنين. وبهذا تم كسر أجنحة الأحزاب الثلاثة، وساد الأمن والسلام ربوع المنطقة، وبدأ التمهيد لفتوح البلدان والممالك الكبيرة، لتبليغ الإسلام ونشر الخير. غزوات عام 5 هـ غزوة المريسيع أو غزوة بني المصطلق جرت أحداث هذه الغزوة في السنة الخامسة من الهجرة، وسببها أنه لما بلغ الرسول صلى الله عليه و سلم أن الحارث بن أبي ضرار - رأس وسيد بنى المصطلق- سار في قومه، وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وقد ابتاعوا خيلاً وسلاحاً، وتهيّأوا لذلك، فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بريدة بن الحصيب الأسلمي؛ ليستطلع له خبر القوم، فأتاهم حتى ورد عليهم ماءهم، فوجد قوماً مغرورين، وقد تألبوا وجمعوا الجموع، ولقي الحارث بن أبى ضرار، وكلمه، ورجع إلى رسول الله فأخبره خبرهم، فندب رسول الله الناس، فأسرعوا في الخروج، وخرج معهم جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها لقرب السفر، ورغبة في عرض الدنيا، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة. وبلغ الحارث بن أبى ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه و سلم إليه، فخافوا خوفاً شديداً، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المريسيع وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة، وتهيأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه لملاقاة القوم. وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم. والصحيح من روايات هذه الغزوة أنه لم يكن قتال بين المسلمين والمشركين، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح (أن النبي صلى الله عليه و سلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون - المباغتة في القتال - وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية) رواه البخاري ومسلم. وذكر أصحاب السير أنّ أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت: (أتانا رسول صلى الله عليه و سلم ونحن على المريسيع، فأسمع أبى يقول: أتانا ما لا قبل لنا به. قالت: فكنت أرى من الناس والخيل مالا أصفُ من الكثرة، فلما أسلمتُ، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ورجعنا، جعلت أنظر إلى المسلمين، فليسوا كما كنت أرى، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يُلقيه في قلوب المشركين. وفي هذه الغزوة وقعت حادثة الإفك في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي قص علينا نبأها القرآن، وفصلت السنة أحداثها، وقد تحدثنا عنها في مقال سابق من محورنا هذا. ولنا أن نستفيد من هذه الغزوة دروساً وعبراً، نستخلصها من الحوادث المصاحبة لهذه الغزوة، وخاصة حادثة الإفك التي أظهرت خطر المنافقين وجرأتهم، حتى نالوا من عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم ما ينبغي على المؤمن فعله عند سماع الشائعات من حفظ اللسان وعدم الخوض فيها، يضاف إلى ذلك الصبر والتحلي به، وعدم التعجل في الأمور عند الابتلاء أسوة بالنبي صلى الله عليه و سلم . غزوه بنى قريظة ثم بلغ النبي صلى الله عليه و سلم أن يهود بنى قريظة القاطنين بجوار المدينة يريدون نقض ما بينهم وبينه من العهود، فاسترجع من جيشه خمسمائة رجل لحراسة النساء والذراري، ولما علم المسلمون بأمر بنى قريظة اشتد وجلهم لأن العدو قد أصبح محيطاً بهم من الخارج والداخل، ولكن الله سبحانه وتعالى قيَّض لرسوله صلى الله عليه و سلم من أنبث بين الأعداء يفرق جموعهم بالخديعة والحيلة، حتى استحكم الفشل بينهم، وخاف بعضهم بعضاً، وأرسل الله تعالى عليهم ريحا باردة في ليل مظلم أكْفَأت قدورهم وطرحت آنيتهم، فارتحلوا من ليلتهم، وأزاح الله تعالى هذه الغُمَّة التي تحزَّب فيها الأحزاب من قبائل العرب واليهود على المسلمين. وكانت هذه الحادثة بين شهري شوال وذي القعدة من شهور السنة الخامسة للهجرة، واستشهد فيها من المسلمين ستة، وقتل من المشركين ثلاثة. ولما عاد رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يخلع لباس الحرب حتى حاصر بني قريظة لخيانتهم ونقضهم للعهد، واستمر محاصراً لهم خمساً وعشرين ليلة، حتى كادوا يهلكون ولم يروا بدًّا من التسليم لما يحكم به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ورضوا بأن ينزلوا على حكم سيدهم سعد بن معاذ، فحكم بقتل رجالهم وسبى نسائهم وذراريهم وأخذ غنائمهم، فحبس الرجال في دور الأنصار حتى حفرت لهم خنادق ضربت أعناقهم فيها، وكانوا نحو سبعمائة رجل، وبذلك أراح الله المسلمين من شر مجاورة هؤلاء الأعداء، والله عزيز ذو انتقام. غزوه الخندق كان بين المسلمين من الخزرج وبين يهود بنى النضير المجاورين للمدينة عهد على التناصر، فخان اليهود عهدهم مع المسلمين، حيث هموا بقتل النبي صلى الله عليه و سلم ، فخرج عليه الصلاة والسلام إليهم في السنة الخامسة للهجرة حتى أجلاهم عن مواطنهم، فأورث الله تعالى المسلمين أرضهم وديارهم، ولم يقر لهؤلاء اليهود قرار بعد ذلك فذهب جمع منهم إلى مكة، وقابلوا رؤساء قريش واتفقوا معهم ومع قبيلة غطفان على حرب المسلمين، فتجهزت قريش ومن تبعهم من كنانة، وتجهزت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد، وتحزبوا جميعاً على محاربة المسلمين، حتى بلغ عدد جميعهم عشرة آلاف محارب قائدهم العام أبو سفيان. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بتجمعهم لذلك استشار أصحابه فيما يعمل لمقاومتهم، فأشار سلمان الفارسيّ رضي الله عنه بحفر خندق في شمال المدينة من الجهة التي تؤتى منها المدينة، فحفروه وجاءت قريش ومن معها من الأحزاب ونزلوا خلف الخندق، وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم في ثلاثة آلاف من المسلمين أمام الخندق، واستمروا على هذه الحالة يترامون بالنبل بضعاً وعشرين ليلة، وقد رتب رسول الله صلى الله عليه و سلم حراسا على الخندق لئلا يقتحمه الأعداء ليلا، وكان يحرس بنفسه أصعب جهة فيه، ولما طالت المدة اقتحم جماعة من المشركين الخندق بخيلهم، فمنهم من وقع فيه فاندقَّ عنقه، ومنهم من برز له بعض شجعان المسلمين فقتله، وقد استمرت هذه المعركة يوما كاملا. غزوة دومة الجندل بعد غزوتي بدر وأحد أراد الرسول صلى الله عليه و سلم تأمين أطراف الجزيرة العربية، حتى تكمل السيطرة للمسلمين، ويتم الاعتراف بدولة الإسلام، فتفرغ لذلك، ثم بلغه أن قبائل حول دومة الجندل تقطع الطريق وتنهب الناس، وقد حشدت جمعها لمهاجمة المدينة، فبادرهم الرسول صلى الله عليه و سلم ، وخرج إليهم في ألف من المسلمين بعد أن استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه، فكانت هذه الغزوة في السنة الخامسة للهجرة. وكان الجيش يسير في الليل، من أجل إخفاء الأمر ومباغتة العدو، ويستريح في النهار، فلما وصل جيش المسلمين ديار العدو، هاجموا الماشية ورعاتها، فأصابوا منها ما استطاعوا، وهرب الباقي. ثم نزل المسلمون منازل أهل دومة الجندل فلم يجدوا فيها أحدا؛ حيث فر القوم وانتشروا في النواحي خوفاً من المسلمين، ولم يكتفِ المسلمون بذلك وإنما بقي الرسول وأصحابه أياماً لتتبع القوم، وبعث السرايا، ولكنهم لم يعثروا على أحد منهم. بعد ذلك عاد الجيش الإسلامي إلى المدينة منتصراً غانماً. يقول صاحب الرحيق المختوم: "بهذه الإقدامات السريعة الحاسمة، وبهذه الخطط الحكيمة الحازمة نجح النبي صلى الله عليه و سلم في بسط الأمن، وتنفيذ السلام في المنطقة والسيطرة على الموقف، وتحويل مجرى الأيام لصالح المسلمين، وتخفيف المتاعب الداخلية والخارجية التي كانت قد توالت عليهم، وأحاطتهم من كل جانب وبذلك ظهرت قوة المسلمين؛ فاستكان المنافقون والبدو الأعراب، وحادت قريش عن المواجهة، فكانت فرصة للمسلمين في نشر الإسلام وتبليغه، ولله الحمد والمنّة". غزوات عام 7 هـ غزوه خيبر بعد أن تم صلح الحديبية واستراح المسلمون من غزوات قريش، رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يستريح أيضاً من أعدائه القريبين الذين يتربصون به الشر، وهم أهل خيبر الذين حزبوا الأحزاب على المسلمين في غزوة الخندق، فخرج صلى الله عليه و سلم إلى خيبر في أول السنة السابعة للهجرة، وكانت خيبر محصنة بثمانية حصون، فعسكر المسلمون خارجها، وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بقطع نخيلهم ليرهبهم، فلما رآهم مصرين على القتال بدأهم بالمراماة، واستمروا في المناوشة سبعة أيام، ثم حمل المسلمون على اليهود حتى كشفوهم عن مواقفهم، وتبعوهم حتى دخلوا أول حصن، فانهزم الأعداء إلى الحصن الذي يليه، فقاتلوا عنه قتالا شديدا حتى كادوا يردون المسلمين عنه، ولكن المسلمين اقتحموا عليهم هذا الحصن حتى ألجأوهم إِلى الحصن الذي يليه، وحاصروهم فيه ومنعوا عنهم جداول الماء، فخرجوا وقاتلوا حتى انهزموا إلى حصن آخر، وهكذا حتى لم يبق غير الحصنين الأخيرين فلم يقاوم أهلهما، بل سلموا طالبين حقن دمائهم، وأن يخرجوا من أرض خيبر بذراريهم، لا يأخذ الواحد منهم إلا ثوبا واحداً على ظهره، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك، وغنم المسلمون من خيبر غنائم كثيرة من دروع وسيوف ورماح وأقواس وحلى وأثاث ومتاع وغنم وطعام. وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون قتيلا، واستشهد من المسلمين خمسة عشر شهيدا. وفي هذه الغزوة أهدت امرأة يهودية لرسول الله صلى الله عليه و سلم ذراع شاة مسمومة فأخذ منها مضغة ثم لفظها، حيث أعلمه الله تعالى أنها مسمومة، وقد اعترفت تلك المرآة بما فعلت، وقالت: قلت إن كان نبياًّ لن يضر، وإن كان كاذباً أراحنا الله منه. فعفا عنها النبي صلى الله عليه و سلم . وبعد فتح خيبر أرسل صلى الله عليه و سلم إلى يهود فدك، فصالحوا على أن يتركوا له أموالهم ويحقن دماءهم، فأجابهم لذلك. وبعد رجوع المسلمين من خيبر قدم من الحبشة بقية من كان فيها من المهاجرين، منهم جعفر بن أبى طالب وأبو موسى الأشعري وقومه، بعد أن أقاموا بها عشر سنين. وقد أسلم بعد غزوة خيبر ثلاثة من عظماء الرجال: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طليحة العبدرى يتبع
المصدر: منتديات السفير المجد التعليمية - من قسم: قسم الحديث والسيرة pdhm hgkfd wgn hggi ugdi ,sgl lk ,gh]ji hgn ,thji
ڔڞــﯧْۧــټ ۖ
بــﷲ ﷻ ۖ ڕبــٰ̍ا̍ ﯣبــٰٱ̍ﻹڛۣــﻼ̍ۙمۭ ۖ دڀــڼۨــٰ̍ا̍ ۛ ּﯟبــﷴ ۛ ּﷺ ۛ ּنۨــبــٻۧــٰ̍ا̍ ﯟﷶــٰ̍ا̍ ۗ
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
اخر 5 مواضيع التي كتبها السفير المجد | |||||
المواضيع | المنتدى | اخر مشاركة | عدد الردود | عدد المشاهدات | تاريخ اخر مشاركة |
رسالة خضراء | قسم اللغة العربية | 0 | 212 | 01-29-2024 12:23 PM | |
الثعلب الحنون | قسم اللغة العربية | 0 | 41 | 01-29-2024 12:18 PM | |
الزّهـرة العجيبـة | قسم اللغة العربية | 0 | 45 | 01-29-2024 12:15 PM | |
الجرة الساحرة | قسم اللغة العربية | 0 | 34 | 01-29-2024 12:12 PM | |
التضحية | قسم اللغة العربية | 0 | 36 | 01-29-2024 12:09 PM |
11-30-2017, 08:38 PM | المشاركة رقم: 2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
كاتب الموضوع :
السفير المجد
المنتدى :
قسم الحديث والسيرة
يا ألف أهلا وسهلا بك أخي/ أختي نتشرف بإطلالاتك القيمة ونترقب ابداعاتك المتميزة .تميزك على صفحات منتدانا ونسعد بتواجدك معنا وجزاك الله خيرا على مواضيعك النيرة نشكرك بالنيابة عن ادارة المنتدى ...حياك الله
يا ألف أهلا وسهلا بك أخي/ أختي نتشرف بإطلالاتك القيمة ونترقب ابداعاتك المتميزة .تميزك على صفحات منتدانا ونسعد بتواجدك معنا وجزاك الله خيرا على مواضيعك النيرة نشكرك بالنيابة عن ادارة المنتدى ...حياك الله ڔڞــﯧْۧــټ ۖ
بــﷲ ﷻ ۖ ڕبــٰ̍ا̍ ﯣبــٰٱ̍ﻹڛۣــﻼ̍ۙمۭ ۖ دڀــڼۨــٰ̍ا̍ ۛ ּﯟبــﷴ ۛ ּﷺ ۛ ּنۨــبــٻۧــٰ̍ا̍ ﯟﷶــٰ̍ا̍ ۗ
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
مواقع النشر (المفضلة) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
معلومات عن النبي صلى الله عليه وسلم | السفير المجد | قسم الحديث والسيرة | 1 | 11-05-2017 09:48 PM |
أسماء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم | السفير المجد | قسم الحديث والسيرة | 1 | 06-09-2017 05:53 PM |
من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته | ام يوسف | قسم الحياة الزوجية | 2 | 03-08-2017 07:09 PM |
مزاح النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأصحابه | ايمان | قسم الحديث والسيرة | 1 | 06-28-2016 04:58 PM |
مختارات من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم | ايمان | قسم الحديث والسيرة | 1 | 06-28-2016 04:45 PM |